الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩

استراتيجيات - (2) الرؤية


الاستراتيجية والتكتيك ( 2 )
الرؤية



في عالم الطقس يقول مذيعوا النشرات الجوية ( كما توجد شبورة كثيفة على المناطق البحرية وتنعدم الرؤية لمسافة مترين لذا ننصح السادة سائقي المركبات بتوخي الحذر ) ..
لكن انعدام الرؤية لا يعني انعدام النظر فالعيون موجودة وتستطيع أن ترى ولكنه قدرتها على الابصار والرؤية فيما وراء الشبورة منعدمة بفعل الشبورة أو بفعل ( غياب التخيل ) imagination
ولدينا في القرآن فرق واضح بين البصر والبصيرة فبينما البصر هو عملية ميكانيكية تعتمد على علمية النظر بمكوناتها المختلفة فإن البصيرة لا تعتمد على حاسة النظر بل على أشياء أخرى من بينها اليقين والاعتقاد والقدرة على  التعامل مع عالم الغيب بنفس اليقين الذي تتعامل به مع عالم الشهادة .
 وعندما تفقد قيادة المؤسسات والشركات والوزارات قدرتها على التخيل أو تصور ما وراء الواقع أو ما وراء العازل أو الحاجز أو الفاصل الزمني فهي قيادة غير مبصرة وإن كانت ترى بأم عينيها ولا أحد يقدح في قدرتها على النظر ، أو غير مؤمنة وليست على يقين بقدرتها وقدرة أفرادها على تحقيق الحلم أو الإيمان بالقدرة على تحقيقه وجعله واقعا معاشا .  ..
وفي عالم الأعمال والإدارة فإن الرؤية تعني ( الحلم ) الذي تتمنى أن تحققه أو المكان الذي تخطط للوصول إليه بمؤسستك في المستقبل ، ويعد تعريف ( لينش Lynch2000 ) واحدا من أهم تعريفات الرؤية حديثا
                                        ( الصورة الذهنية المحتملة والمرغوبة لمؤسستك مستقبلا )
 ( A mental image of the possible and desirable future state of the organization


ولأن الرؤية حلم فقد يراها البعض محض ( خيال ) وبالتالي قد يسأل ما علاقة الواقع بالخيال وكيف أبني إستراتيجية مؤسستي على الخيال ومعروف أن الخيال قد يكون ممزوجا بالأوهام ... وهنا نتوقف لنقول ليس بالضرورة أن يكون الخيال مخلوطا بالأوهام ... بل يجب أن يكون خيالا صافيا  منطلقا من المكان أو المهنة أو العمل أو المهمة التي تقوم بها مؤسستك ..
فعلى سبيل المثال لو أن قياديا في شركة للألبان أراد ان يلخص رؤيته لشركته فكتب (  سيارة حديثة لكل أسرة في الكويت ) هل هذه رؤية أم وهم أم خيال ... مخلوط بوهم وبأشياء أخرى ...

 فما علاقة الحليب ومنتجاته بالسيارات ولو أراد أن يصوغ رؤيته على النحو التالي ( منتجاتنا على كل طاولة في كل بيت في الكويت )  كما فعل ستيف  جوبز رئيس شركة أبل ماكنتوشApple McIntosh   حين وضع رؤية شركته على النحو التالي  ( An Apple on every desk )  يعني (جهاز ابل على كل مكتب )...

إن شركة أبلApple  تدرك حجم التحديات الموجودة والمستقبلية في عالم الكمبيوترات خصوصا وأنها فقدت السوق من قبل لصالح غيرها ولكن قادتها رأوا أنه ليس بالضرورة أن يكون المنتج الوحيد هو الكمبيوتر واخترقوا السوق بمنتجات أخرى تحمل اسم ( أبل ) لعل أشهرها I pod  و I phone  و Mac Book  و    Apple TV 





 ولو نظرت الى رؤية صانعي ( ستاربكس )Starbucks التي هي في الواقع مجرد قهوة تحولت إلى مكان للقاءات والاجتماعات والترفيه وربما الأكل والشرب وشراء أنواع مختلفة من القهوة لتصنيعها في البيوت من خلال ورش عمل تقوم بها ستاربكس على يد خبراء القهوة في العالم لمرتادي هذه المقاهي ، لو نظرت لو وجدت أن الرؤية هي :
Establish Starbucks as the premier purveyor of the finest coffee in the world while uncompromising principles while we grow"

(الممون الأول للقهوة الأكثر جودة- الممتازة -   في العالم مع الحفاظ على مبادئنا وعدم التفريط بها مهما توسعنا ).


وعلى نفس النسق تسير جنرال موتور General Motors – أشهر مصنعي السيارات في العالم -  إذ أنها ترى أن العالم هو مجال رؤيتها ومنافستها فرؤيتها  هي :
(Our vision is to be the world leader in transportation products and related services)
( أن نكون قادة العالم في مجال منتجات النقل والخدمات المرتبطة به )
إذن العالم هو المسرح الذي تلعب عليه جنرال موتور وقيادته هو الحلم او الرؤية !
 لقد قرر صانعو ستاربكس أن يكونوا في المرتبة الأولى في العالم وليس في أمريكا  وليس من بين الأوائل  أو حتى المائة الأولى لمصنعي القهوة في العالم وهم يعرفون الحقائق التالية :
1.      حجم المنافسة في سوق القهوة
2.      حجم المنافسة في سوق المقاهي
3.      ما لديهم من قدرات وإمكانات
4.      خبراتهم في السوق مقارنة مع خبرة غيرهم
5.      احتمالية صعوبة تحقيق ذلك لسبب او لآخر
6.      إدراكهم أن تقلبات السوق قد تعيق الوصول الى الحلم أو الرؤية
7.       اختيارهم العالم بأسره سوقا لهم

ويتطلب بناء الرؤية أول ما يتطلب الوقوف على حقيقة الوضع الراهن وتقييمه تقييما موضوعيا كما سبق وأن اشرنا في المقال السابق من خلال عدة طرق ووسائل تنتهي بك في شركتك إلى ( تقرير الوضع الراهن ) ومن ثم البدء في رحلة صياغة الرؤية ... وبدون تحليل الموقف الراهن يمكنك أن تبني رؤية مشوهة، غير قابلة أو مستحيلة التطبيق في ظل تقييم الوقف الراهن وربما يمكن تحقيقها في وقت آخر وعلى يد أناس آخرين فيما بعد... وهذا لا يعني صوابية موقفك أو رؤيتك بقدر ما يعني أن القادة في العالم قد يتشاركون رؤية واحدة هو الإنسانية لكن القليلين منهم من يستطيع الوصول إلى تلك الرؤية وتحقيقها .. وعلى سبيل المثال يمكنك أن تسمع من قادة العالم في أمريكا وارويا رؤيتهم لحل الصراع العربي الإسرائيلي وخصوا الرئيس بوش صاحب رؤية الدولتين ولكن هذه الرؤية لم ترى النور وفقا للجدول الزمني الذي حدده ( بوش ) وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال :

-          لقد وضع بوش رؤية لقضية لا يملك فيها وحده أدوات التنفيذ فمعلوم أن ( اسرائيل ) دولة خارجة عن القانون الدولي ولا يمكن لبوش ولا لغيره اخضاعها أو الزامها بشيء ما لم توجد قوى فعلية في المنطقة تجبرها على ذلك
-          وحتى لو استجابت ( إسرائيل ) وتماشت مع هذه الرؤية فإن اللوبي الصهيوني في الإدارة والكونجرس الأمريكي الذي يرى مصالحه الآنية والمستقبلية في استمرار الصراع والحروب في المنطقة لا يمكن أن يسمح لبوش بتحقيق رؤيته
-           لقد بنى  بوش رؤيته على تحليل الموقف بطريقة غير موضوعية ولم يضع في الاعتبار الوضع  السياسي العربي الراهن ولكن قام بتحليل موقف القيادات السياسية العربية بعيدا عن فهم وتحليل موقف الشعوب
-          لقد بنى بوش رؤيته ونسي أن يضع الخطة المطلوبة لتنفيذ هذه الرؤية وآليات تطبيقها مع الوضع في الاعتبار المتغيرات في العالم وما أكثرها
متطلبات بناء الرؤية
1-    أن تكون رؤيتك في مجال مهنتك او تخصصك أو له علاقة به كما فعلت ابل ماكنتوش في عالم الموبايلات .
2-    تحليل الموقف الحالي تحليلا موضوعيا خصوصا نقاط الضعف والتهديدات
3-    دراسة المنافسون بشكل جاد بعيدا عن التهوين والغرور بالموقف الراهن
4-     تحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتكنولوجي الراهن والبحث عن فرص تمكن مؤسستك من الاستفادة بالتشريعات والتعديلات القانونية في قوانين المنافسة والاحتكار لبناء الرؤية وفقا لذلك >
وعلى سبيل المثال فلو أن مؤسسة إعلامية تريد أن تتوسع في إصدار وسائل إعلامية جديدة فإنه يتعين عليها أن تفكر أولا في الوسائل الإعلامية الجديدة new media  and social media  وهي وسائل إعلامية أكثر انتشارا في عالم الانترنت ، واليوم أصبحت الصحف الالكترونية اليوم أكثر ذيوعا من ذي قبل ولو كنت في موضع المسئولية لواحدة من هذه الشركات لفكرت في الرؤية واضعا في الاعتبار العنصر التكنولوجي والعنصر السياسي في ظل عدم  منح تراخيص لصحف مطبوعة مثلا ... وستتحول الرؤية من مثلا ( أن تكون الصحيفة اليومية ( س ) واحدة من  الصحف العشر الأكثر قراءة في البلد ) إلى ( أن تصبح صحيفة ( × ) الصحيفة العربية الالكترونية  الاكثر قراءة  حول العالم )  

  وهنا يبدو الفرق بين مجال المنافسة الأول وهو الصحف المطبوعة في البلد المعين وبين الصحف الالكترونية حول العالم )
5-    توفر أو القدرة على توفير الإمكانات المطلوبة
6-    راجع ( رؤى ) الآخرين من المنافسين
7-    راجع دور الشركة وتعرف على الأهداف والغايات الحالية والمستقبلية
8-     شارك  كافة الأطراف المعنية  ( رؤية جماعية أ, مشتركة )
9-     احصل على مباركة ودعم قيادات الشركة او المؤسسة
10-          من الممكن أن تكون الرؤية كمية أو نوعية
11-           من الممكن أن تكون محددة بزمن أو مفتوحة الزمن
12-          مختصرة
13-           واضحة

وختاما
فإن الرؤى التي لا تحدث تغيير هي اقرار للواقع وهي اقرار للاعتراف بفشل المؤسسة على الابداع والتجديد وإحداث الفرق.
******  مزيد من نماذج لرؤى مختلفة اضغط هنا


المصادر



الأحد، ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٩

سلسلة ( استراتيجيات )

الاستراتيجية  والتكتيك (1)




سلسلة من اعداد
د . حمزة زوبع
مؤسس ومدير مركز DevComm  لاستشارات الاعلام الاستراتيجي والتنموي

 الهوة ما بين عالم الاستراتيجية والتكتيك تكاد تتسع شيئا فشيئا خصوصا في ظل التنافسية الشديدة فيما بين الشركات والمؤسسات وحتى بين الدول والجماعات والمنظمات ، فعالم اليوم يشهد تنافسية محمومة يروح ضحيتها على الدوام أولئك الذين يمشون في طريقهم بلا استراتيجية ويعتمدون على التكتيك كوسيلة للبقاء والحياة في زمن تحكمه أقوى العقول وتسيطر عليها أبدع المفاهيم سواء كانت صالحة أم فاسدة لكنها مبدعة كونها لا نظير لها من قبل .

وتتساءل عزيزي القاريء ومال الفرق اذن بين الاستراتيجية والتكتيك وألخص الفرق في عبارة شعبية نقولها للشخص حين يسعى لمصلحة آنية على حساب مصالح مستقبلية أعم وانفع فنقول إن فلانا ( لايرى أبعد من قدميه ) 

وهذا يعني في عالم الادارة أنه شخص غير بعيد النظر أو نظره ( الاداري ) ضعيف فلا يرى أو يتنبأ أو يبحث في عالم الغد وما يمكن أن تكون عليه شركته أو مؤسسته أو حتى وزارته ودولته ككل .

الاستراتيجيون هم  أناس يخططون للمستقبل بعد أن يتعرفوا على الواقع الحالي ويدرسونه ويحللونه من عدة زوايا وبعدة طرق أشهرها ما يعرف بتحليل الضعف والقوة SWOT  والذي (كما هو موضح من الرسم أدناه) يعتمد على تحليل أربعة أشياء رئيسية وهي مناطق القوة والضعف ( في داخل المؤسسة ) ومناطق التهديد والفرص المتاحة ( من خارج المؤسسة ) . فليس من الواقعي أن نقوم بالتركيز على مناطق القوة ونعددها ونغفل مناطق الضعف أو نهملها لأن إهمالها يعني أن الوزارة أو المؤسسة أو الشركة ( معصومة ) أو أن مسئوليها ( لا يرونها)  أو لايستطيعون رؤية نقاط الضعف وما أكثرها على أي حال ... ووجود نقاط الضعف لا يعني انهيار الشركات أو المؤسسات أو الوزارات بل يعني أهمية التفكير في اصلاح تلك النقاط وتقليل مخاطرها .
أما الفرص والتهديدات الآتية من الخارج وعليه فإن تحليلها يحتاج الى عيون خبيرة وملمة بالواقع الخارجي وليست منكبة على الواقع الداخلي ومنشغلة بكل تفاصيله ...


وربما قليلون من يعرفون أن هناك طرقا أخرى لتحليل الواقع من بينها تحليل الواقع بكل مكوناته والذي تختصره كلمة PEST  وهي اختصار لأربعة مناطق يجب تحليلها وهي السياسة Political   والاقتصاد Economy والاجتماع Social والتكنولوجيا المتاحة  Technology . وهذه الطريقة من التحليل تصلح للدول والشركات العالمية الكبرى التي تتعاطى مع متغيرات سياسية وقانونية وتشريعية وثقافية وفكرية ينجم عنها تطورات اجتماعية في ضوء التقدم التكنولوجي وكيف يمكن استثمار هذا التقدم لخدمة استراتيجية تلك الدول والمؤسسات الكبرى .

وهناك نموذج ثالث للتحليل يعرف بتحليل القوى الخمس Five Forces Analysis  ويتضمن تحليل موقف المنافسين والموردين والعملاء والمنتجات البديلة والمنتجات الجديدة .. وهذا النموذج تتمثلأهميته في أنه يعتمد على دراسة السوق والتعرف على الوفادين الجدد من المنتجين والمنافسين الذين قد لايعمل لهم حساب ثم نفاجئ بهم يتقدمون على غرار سنغافورة وماليزيا وكوريا ... وتركيا حاليا .




أما أولئك الذين لا يرون إلا ما تحت أقدامهم فإنهم جيدون في مهارات الكر والفر واستخدام وسائل اقناع وتاثير سريعة ومفيدة في أغلب الأحيان لكنها لا تستند الى رؤية استراتيجية فكل ما يعين هو أن تمر المرحلة الراهنة فقط وليس لهم علاقة بالغد أو الساعة المقبلة ...

وقد يكون للتكتيكيين دور مهم في الشركة التي لديها استراتيجيات تتعرض للتغيير بين الحين والآخر وهؤلاء يستطيعون قيادة المؤسسات والوزارات والتعامل مع المتغيرات بأداء يفوق بكثير أداء الاستراتيجيين بل لعل أبلغ ما قيل في هذا الشأن ( أن الاستراتيجيين الحقيقيين هم التكتيكيون البارعون من أصحاب الانجازات والتاريخ) ...

 فليست كلمة التكتيك عيبا أو سبة بل هي وصف لأداء فريق ما خلال مرحلة زمنية قصيرة فإن كان هذا الأداء وفقا لاستراتيجية طويلة المدى كانت النتائج مبهرة وإن كان وفقا لنظرة محدودة وقصيرة كانت النتائج مرضية الى حد ما لكنها مؤقتة  كما أنها ليست  طويلة المدى بأي حال .

الاستراتيجيون هم وحدهم الذين يمكنهم  قراءة الواقع وتحليله وتقييمه تقييما موضوعيا و بامكانهم وضع خطط استراتيجية تراعي مايلي :
1- امكانات المؤسسة وقدرات أفرادها
2- مواردها المالية
3- علاقاتها المتمددة مع الآخرين
 4- ثقافة المؤسسة التي تربى عليها من يعمل بها
5- الاستعداد والقرار السياسي لإدارة المؤسسة
6- الاستعداد النفسي للعاملين بالمؤسسة أو الوزارة
7- مباركة ودعم المساهمون وأصحاب المؤسسة أو رعاتها أو الجهة الأعلى كمجلس الادارة أو مجلس الوزراء أو الرئاسة نفسها

ثم تبدأ رحلة التخطيط لبناء استراتيجية المؤسسة ...  كيفية صياغة الرؤية Vision

السبت، ٢٦ ديسمبر ٢٠٠٩

الجمعة، ٢٥ ديسمبر ٢٠٠٩


د.حمزة زوبع

الإخوان المسلمون... آن أوان التحول!

  الخميس، 24 ديسمبر 2009 - 19:09
Bookmark and Share Add to Google

(فى أعقاب انتخابات عام 2005 كتبت مقالا بعنوان (الإخوان المسلمون هل آن أوان التحول) طالبتهم فيه بالبحث عن أفكار جديدة للتعامل مع المكتسب السياسى الذى حققوه فى الانتخابات، واليوم أكتب عن الأحداث الأخيرة التى أراها بداية التحول...).

على غير العادة جرت انتخابات مكتب الإرشاد (الجهاز التنفيذى لجماعة الإخوان المسلمين) فى جو أقرب للعلانية منه إلى السرية التى لطالما أحاطت بالجماعة منذ زمن بعيد، وأعتقد أن هذه هى المرة الأولى تاريخيا التى تجرى الانتخابات بهذه الطريقة، وتتم متابعتها إعلاميا بهذا الزخم الكبير!!

الإخوان مؤسسة اعتادت على العمل السرى فى شأنها الداخلى عبر تاريخها، فنادرا ما كان الرأى العام يتابع شأنا داخليا للمؤسسة عبر وسائل الإعلام ومن خلال رموز الجماعة وقياديها الذين اعتادوا فيما سبق على الكتمان الشديد، وعدم الانخراط فى أحاديث إعلامية، بل كانت التصريحات والبيانات الرسمية هى وسيلة الاتصال الوحيد بالعالم الخارجى للتعبير عن وجهة نظر المؤسسة، وكل ما عداها هو اجتهاد شخصى حتى لو صدر من قياديين، اليوم تبدو الصورة مختلفة فقيادات الإخوان وشبابهم لهم رأى مسموع فى كل القضايا الحساسة داخل الجماعة، وأدلل على ذلك بموضوع اللائحة التنظيمية التى اختلف فى تفسيرها بين مرشد الجماعة وباقى أعضاء مكتب الإرشاد التى تسببت فى أزمة عرفت باسم أزمة (تصعيد الدكتور العريان).

هذه اللائحة وكافة لوائح الإخوان كانت تعد وثائق سرية للغاية لا يسمح لأحد سوى من (يعنيه الأمر) بالاطلاع عليها، فما بالك بمناقشتها والاختلاف على بنودها والمطالبة بتعديلها حتى وصل الأمر بنائب المرشد العام (السابق) د محمد حبيب إلى المطالبة بالتحكيم إزاء ما يراه عدم إعمال اللائحة فى الانتخابات التى جرت مؤخرا التى فقد فيها مقعده فى مكتب الإرشاد.

الإخوان الذين كانوا دائما يعملون من وراء ستار فلا يمكنك أن تعرف من الذى يحرك الجموع فى المظاهرات وفى النقابات وفى الانتخابات وفى المساجد، اليوم ومع عصر الانفتاح على وسائل الإعلام المتطورة والمتغيرة بدءوا يغيرون ذلك ببساطة، لأن التغيير لم يعد نتيجة ضغط خارجى فقط، بل مطلبا داخليا فى المقام الأول.. لذا فعندما خرج شباب الإخوان إلى الوسائل الإعلامية للتعبير عن آرائهم تسللت رياح التأثير والتغيير إلى جسد الجماعة المثقل بالأعباء والتحديات والمخاطر والسجون والاعتقالات والانتخابات، وإدارة المعارك السياسية مع النظام بطريقة اعترف فيها الجميع بقدرة هذه الجماعة على الصمود، وإثبات أنها الرقم الصعب فى معادلة السياسة المصرية والعربية أيضا.

التغيير المحمول جوا عبر وسائل الإعلام نال إذنا من الجماعة، ولا أقصد المعنى السلبى لكلمة (نال)، بل أعنى تفاعلية الكلمة بمعانيها المختلفة، فالإخوان بدءوا يتنفسون هواء طبيعيا مثلهم مثل بقية الشعب المصرى.. نفس محمل بالغبار والأوبئة والتنافسية، والبحث عن لقمة العيش والغيرة ومباريات الكرة، إضافة إلى مجموعة القيم الحاكمة لهذه المؤسسة من الحب والاحترام والإيثار والسمع والطاعة.

التغيير المحمول عبر الساتلايت لم يطمس مفاهيم وقيم تلك المؤسسة التى اعتاد الآخرون على رؤيتها والتعامل معها بوصفها مجموعة من القيم المثلى التى لا يمكنها النزول بها إلى عالم السياسة، هذه المفاهيم لا تزال موجودة ومقدسة فى كثير من الأحيان، ولكن رياح التغيير والنفس الطبيعى أصابت الإخوان وأتمنى أن تؤثر إيجابيا فى طريقة تفكيرهم (أو البعض منهم)، بحيث يتم التعامل معهم ككيانات بشرية تخطئ وتصيب وتقبل بالفشل، وتعترف به وتعترف للآخرين بنجاحاتهم وفضلهم وميزتهم التنافسية التى ربما لا تمتلكها الجماعة...

الإخوان اليوم وبرغم كل ما يمكن أن يقال عادوا إلى المجتمع من جديد، سنراهم ونسمعهم يتحدثون ويختلفون وترتفع أصواتهم ويقدمون أفكارا تقترب آو تبتعد عن غيرهم، لكنهم عادوا إلى العلنية بعد ما نجح خصومهم- وساعدهم الإخوان على ذلك – فى وصمهم بالسرية والكتمان على مدار ثلاثة أرباع قرن من العمل.

ما حدث مؤخرا هو بداية تغيير كبير ولا أقول كما يقول خصوم الإخوان السياسيين (بداية الانهيار أو التآكل أو حتى الانكسار)، فمؤسسة من هذا النوع تعرف كيف تعيش وتقاوم وكيف تتمدد فى أصعب الأوقات، ويكفى أنها نجحت فى التعاطى مع عدة محاكمات عسكرية وسلسلة لم تنته بعد من الاعتقالات ومصادرة الأموال وإغلاق المكتبات والشركات، ونجحت فى الوقت نفسه بالوصول بثمانية وثمانين عضوا إلى قاعة البرلمان، رغم قلة عدد مرشحيها مقارنة مع الأحزاب المختلفة وعلى رأسها الحزب الحاكم.

قد يعتقد البعض أن عدم اختيار الدكتور محمد حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح دليل على تراجع تيار الإصلاح، وأراه بصورة مختلفة، فالدكتور عصام العريان وجيل الشباب من الإخوان لهم آراء إصلاحية أيضا ومؤسسة الإخوان لن تتوقف عن إنتاج أفكار إصلاحية بطبيعة ديناميكيتها وتغير الأجيال المنتسبة إليها، وبسبب التغيرات الخارجية خصوصا فى مجال الحرية والتعبير عن الرأى، كما أنه ينبغى للإخوان وللمجتمع أن يسجل نقطة إيجابية كبيرة فى الانتخابات التى مضت وهى خسارة نائب المرشد (الرئيس) الدكتور محمد حبيب)، كما أن إصرار السيد / محمد عاكف المرشد الحالى على النزول من فوق منصة المنصب العريض والمؤثر عربيا وعالميا لصالح التغيير، وإصراره على عدم التمديد ولو مؤقتا، إنما يؤكدان أن مؤسسة الإخوان قادرة على إبهار المجتمع، والخروج بأفكار جديدة ولو رأى البعض أن هذه الأفكار قد تتسبب فى تصدع الجسم الإخوانى.

ما حدث مؤخرا يؤكد عدة حقائق ألخصها فى النقاط التالية:
- الإخوان جماعة بشرية يعتريها ما يعترى غيرها، وأفرادها ليسوا بأفضل من غيرهم ألا بأدائهم، وعلى المجتمع التعامل معهم بهذه النظرة البشرية التى لا تورطهم ولا تورط المجتمع.

- لدى الإخوان منظومة قيم حاكمة يصعب القضاء عليها، ولكن يمكن تعديلها وتكييفها لخدمة المجتمع بأسره.

- الضغط الخارجى يأتى بنتائج عكسية، ولكن التحرك من الداخل له ميزتان الأولى: هى أنه يحدث تفاعل بين الإخوان من أجل إنتاج أفكار مختلفة، والثانية: أنه يأتى بنتائج طبيعية غير موجهة من أحد، على عكس الضغط الخارجى الذى يخلق حالة من الاصطفاف ضد (العدو) أو الخصم ويؤجل التفكير فى كافة القضايا لحين الانتهاء من المواجهة.

- السماح بالتعاطى الإعلامى الحر مع الإخوان بعيدا عن مفهوم الحظر يتيح للإخوان أنفسهم أن يقدموا أفكارهم على الهواء مباشرة، وبالتالى يتيح للمجتمع ورموزه فرصة للنقاش والحوار.

- محاولة تفخيخ الإخوان أو تفجيرهم من الداخل هى محاولة فاشلة، وتعيد الإخوان إلى مربع السرية، وهو مربع خطر على الإخوان وعلى المجتمع.

- فى ظل احترام الجميع للقانون وعلى رأسهم الإخوان فإن الإخوان سيكونون مؤهلين للتعاطى بالشأن العام بطريقة أكثر احترافية وواقعية تبتعد عن المثالية المفرطة فى بعض الأحيان.

- الإخوان مثلهم مثل غيرهم من التجمعات والكيانات البشرية لا يمكنهم العيش بجمود والرضا بالتكلس داخل قوقعة السرية والنظام الخاص، بحجة الحفاظ على الجماعة، كما لا يمكنهم أن يذوبوا أو يتحولوا إلى نسخ من الأفكار الأخرى الموجودة على الساحة، وليس مطلوب من اليساريين مثلا أن يتحولوا إلى الحزب الوطنى ولا أن يتحول الوفد إلى الإخوان...

- على المجتمع أن يساعد الإخوان ويأخذ بأيديهم، لأنهم جزء أصيل من هذا المجتمع، ولا أعنى بالأخذ باليد أن يغض الطرف عن أخطائهم، بل يساعدهم فى التعامل مع تلك الأخطاء والتعلم منها لصالح المجتمع....

- الحراك الحالى داخل الإخوان سينال من بعض رموزها، وسيحدث ضجيجا وضوضاء ستستمر لبعض الوقت، وعلى الإخوان ألا يخفوا شيئا وألا يحاولوا تجميل الصورة، لأنهم إن فعلوا ذلك لن يتبقى منهم سوى ذكرى الزمن الجميل.

- على أعضاء المكتب الجديد أن يدرسوا ويحللوا ما حدث مؤخرا من زاوية أن شأن الإخوان الخاص هو شأن عام، وأن مفاهيم قديمة تربت عليها أجيال تحتاج إلى إعادة صياغة قبل أن يمر الوقت ويجدوا أنفسهم محاصرون بأفكار قديمة قد لا تنتج سوى ما أنتجته عبر عقود خلت.


آخر السطر

لما الحصار عليك يشتد
ارفع إيدك للسما وقول
يا رب مدد !!!
أبوابه ولا يوم تنسد
أبوابه كثيرة
ما لهاش عدد..
مدد يا رب مدد
( نقلا عن اليوم السابع )

الخميس، ٢٤ ديسمبر ٢٠٠٩

من روائع الكلم .... الفارغون أكثر ضجيجا



هذه كلمات جاءتني عبر الايميل اليوم ومن صديقين مختلفين .. أضعها بين يديك وائتمن عليها عقلك .. كلمات من ذهب .. اتركك مع المتعة 


الفارغون أكثر ضجيجاً

إذا مرَّ القطار وسمعت جلبة لإحدى عرباته فاعلم أنها فارغة، وإذا سمعت تاجراً يحرّج على بضاعته وينادي عليها فاعلم أنها كاسدة
إن كل فارغ من البشر والأشياء له جلبة وصوت وصراخ، أما العاملون المثابرون فهم في سكون ووقار؛ لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكل النجاح
*******

إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة، أما الفارغة فإنها في مهب الريح لخفتها وطيشها، وفي الناس أناس فارغون مفلسون أصفار رسبوا في مدرسة الحياة، وأخفقوا في حقول المعرفة والإبداع والإنتاج فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين، فهم كالطفل الأرعن الذي أتى إلى لوحة رسّام هائمة بالحسن، ناطقة بالجمال فشطب محاسنها وأذهب روعتها
هؤلاء الأغبياء الكسالى التافهون مشاريعهم كلام، وحججهم صراخ، وأدلتهم هذيان لا تستطيع أن تطلق على أحدهم لقباً مميّزاً ولا وصفاً جميلاً، فليس بأديب ولا خطيب ولا كاتب ولا مهندس ولا تاجر ولا يُذكر مع الموظفين الرواد، ولا مع العلماء الأفذاذ، ولا مع الصالحين الأبرار، ولا مع الكرماء الأجواد، بل هو صفر على يسار الرقم، يعيش بلا هدف، ويمضي بلا تخطيط، ويسير بلا همة، ليس له أعمال تُنقد، فهو جالس على الأرض والجالس على الأرض لا يسقط، لا يُمدح بشيء، لأنه خال من الفضائل، ولا يُسب لأنه ليس له حسّاد
*******

وفي كتب الأدب أن شاباً خاملاً فاشلاً قال لأبيه: يا أبي أنا لا يمدحني أحد ولا يسبني أحد مثل فلان فما السبب؟ فقال أبوه: لأنك ثور في مسلاخ إنسان، إن الفارغ البليد يجد لذة في تحطيم أعمال الناس ويحس بمتعة في تمريغ كرامة الرّواد، لأنه عجز عن مجاراتهم ففرح بتهميش إبداعهم، ولهذا تجد العامل المثابر النشيط منغمساً في إتقان عمله وتجويد إنتاجه ليس عنده وقت لتشريح جثث الآخرين ولا بعثرة قبورهم، فهو منهمك في بناء مجده ونسج ثياب فضله
إن النخلة باسقة الطول دائمة الخضرة حلوة الطلع كثيرة المنافع، ولهذا إذا رماها سفيه بحجر عادت عليه تمراً، أما الحنظلة فإنها عقيمة الثمر، مشؤومة الطلع، مرة الطعم، لا منظر بهيجاً ولا ثمر نضيجاً
*******

السيف يقص العظام وهو صامت، والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف، إن علينا أن نصلح أنفسنا ونتقن أعمالنا، وليس علينا حساب الناس والرقابة على أفكارهم والحكم على ضمائرهم، الله يحاسبهم والله وحده يعلم سرّهم وعلانيتهم، ولو كنا راشدين بدرجة كافية لما أصبح عندنا فراغ في الوقت نذهبه في كسر عظام الناس ونشر غسيلهم وتمزيق أكفانهم
التافهون وحدهم هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث عن الجرح، أما الخيّرون فأعمالهم الجليلة أشغلتهم عن توافه الأمور كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوّله عسلاً فيه شفاء للناس، إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجمهور، لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقها وخسرت فوزها
*******

اعمل واجتهد وأتقن ولا تصغ لمثبّط أو حاسد أو فارغ.. هبطت بعوضة على نخلة، فلما أرادت أن تطير قالت للنخلة: تماسكي أيتها النخلة فأنا سوف أطير، فقالت النخلة للبعوضة: والله ما شعرت بك يوم وقعت فكيف أشعر بك إذا طرتِ؟
تدخل الشاحنات الكبرى عليها الحديد والجسور وقد كتبوا عليها عبارة: خطر ممنوع الاقتراب، فتبتعد التكاسي والسياكل ولسان حالها ينادي: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، الأسد لا يأكل الميتة، والنمر لا يهجم على المرأة لعزة النفس وكمال الهمة، أما الصراصير والجعلان فعملها في القمامة وإبداعها في الزبالة
*******


من روائع الكلم


الأربعاء، ٢٣ ديسمبر ٢٠٠٩

أعظم 100 ( دماغ ) في العالم ....




في هذا الرابط يمكنك قراءة واحد من أهم الملفات التي انتجتها احدى أهم الدوريات السياسية في العالم وهي مجلة ( فورين بوليسي ) الأمريكية وفي عددها  الأخير لعام 2009 قررت اختيار أعظم مائة مفكر في العالم أي وبمعنى آخر أعظم ( 100 دماغ ) في الكون .....

الملف باللغة الانجليزية لكنه بسيط وممتع ... تصفح


الثلاثاء، ٢٢ ديسمبر ٢٠٠٩

الاخوان المسلمون .. هل آن أوان التحول !




هذا مقال قديم كتبته قبل اربع سنوات ونشرته صحيفتي القدس العربي والمصريون الالكترونية 
.. واليوم أعيد نشره بمناسبة الحديث عن نتائج انتخابات مكتب الارشاد الاخيرة ..

   برجاء القراءة وانتظاري في مقال آخر جديد بنفس العنوان مع تعديل بسيط جدا !!

الإخوان المسلمون هل آن أوان التحول ؟..د. حمزة زوبع
وبعد أن هدأت العاصفة واطمأن أنصار السلطة في مصر إلى أغلبية ساحقة بفضل عودة أو إعادة المنشقين إلى حظيرة الحزب وبفضل حرمان أنصار الإخوان من التصويت في معظم الدوائر خصوصا في جولة الإعادة للمرحلة الثالثة ( الأخيرة ) من الانتخابات ، كما تأكد لخصوم الإخوان أن حصة الإخوان في مجلس الشعب لن تعكر صفو أغلبية لطالما سعوا إلى تحقيقها بكافة السبل زاعمين أنها أغلبية مطلوبة للمضي قدما في تنفيذ برنامج الرئيس الإصلاحي !!

لكن رغم ذلك الهدوء النسبي إلا أنني وقد يتفق معي كثيرون أن جذوة الإصلاح لم تنطفئ وأن الرماد الظاهر والمتبقي من أثر الانتخابات ترقد تحته نيران كثيفة كفيلة لإنضاج إناء الديمقراطية على مدار العشر سنوات المقبلة وتحت هشيم الانتخابات لا ترقد نار الإصلاح وحدها بل إن نيرانا أخرى كثيفة وعنيفة لا تزال هناك ، هذه النيران ربما يسعى كثيرون في معسكر السلطة إلي إشعالها وتوسيع نطاقها ولو على حساب الإبقاء على جذوة نار الإصلاح رغم هدوءها ، فما حدث ورغم حصول حزب السلطة الذي يضم الحزب الوطني والشرطة وأجهزة الدولة مدعومة بقافلة من مثقفي التلفزيون المصري والصحف القومية –على الأغلبية المطلوبة إلا أنهم يرون أن ما حصل عليه الإخوان المسلمون أمر غير طبيعي وأنهم وعلى حد قول بعض غلاة السلطة لا يستحقون ما وصلوا إليه .. ! ما حصل هو زلزال سياسي لن يمر دون حساب، والحساب هنا ليس معالجة أخطاء السلطة بل معاقبة الإخوان على نجاحهم ! و هذا ما عنيت به نيران السلطة التي ستسعى بكل قوتها من أجل إشعالها في الفترة المقبلة.


في مثل هذه الأجواء الملتهبة لا يمكن للإخوان المسلمين أن يقفوا متفرجين فالنار المشتعلة قد تطيح بكل شيء وكما قلت في مقالات سابقة فإن البعض مستعد للتضحية بالوطن من أجل بقائه في السلطة بينما الإخوان مستعدون أن يقدموا أنفسهم قربانا حتى يبقى الوطن ... من هذه النقطة تحديدا أرى أن الإخوان المسلمون أمام امتحان آخر ربما يفوق في شدته امتحان إثبات الوجود وتأكيد الشرعية الذي مروا به في انتخابات 2005 ، إنه إمتحان اثبات القدرة وتحديدا القدرة على التغيير والفعل في بلد عظيم بحجم مصر وتاريخها وامكاناتها .

وبعبارة أخرى هل سيثبت الإخوان المسلمون أنهم كفصيل سياسي على نفس المستوي كجماعة دعوية !
أو هل يمكن للجماعة أن تقوم بالعمل السياسي بنفس الطريقة التي تقوم بها على العمل الدعوي والذي أثبتت فيه نجاحا منقطع النظير على مدار ثلاثة أرباع قرن من الزمن والمحن !


هنا مربط الفرس وهنا يثور السؤال ليس فقط في مصر بل في العالم بأسره وربما كان مقال الكاتب الأمريكي نيل ماك فاركهار NEIL MacFARQUHAR والذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 8 ديسمبر الجاري تحت عنوان ( هل تروض السياسة الإخوان المسلمون ) تعبيرا عن حالة الترقب التي تسود أوساطا عالميا ناهيك عن حالة التربص التي تسود الأوساط المحلية خصوصا في دوار السلطة ومن حولها ،وللإنصاف فإن هناك أقلاما وعقولا مصرية مخلصة تقف موقف الناصح الأمين للإخوان المسلمين وتنصحهم بأن يقدموا رؤية سياسية للمرحلة المقبلة ، ولا يمكننا إغفال أو التغافل عن أراء طرحها ساسة وكتاب مثل د يحي الجمل أو ضياء رشوان أو محمد السيد السعيد وهي في مجملها تصب في نفس الاتجاه وتطرح نفس السؤال وإن جاء على شكل استفسار هو هل سيحدث التحول ومتى وكيف ؟



ولنبدأ بمفهوم التحول المطلوب :
1- هل مطلوب من جماعة الإخوان أن تعطي ظهرها للماضي بكل تفاصيله أي أن تتحول من جماعة دعوية إلى حزب سياسي فقط لا غير ؟

هناك فصيل يضم حزب التجمع وبعض الناصريين ومثقفي السلطة وبعض من بقايا الحزب الحاكم يرون أن الدعوة أفادت السياسة عند الإخوان وأن ما حصلوا عليه من مقاعد إنما هو حصيلة جهود دعوية واجتماعية على مدار ثلاثة أرباع قرن وأنه قد آن أوان الحصاد وأن الأحزاب لا تتمتع بمثل هذه الخاصية التي تتمتع بها الإخوان وعليه وحتى تتساوى الفرص فلابد من حرمان الإخوان من ميزة الدعوة والعمل الاجتماعي المتمثل في الجماعة وتحويلها إلى حزب سياسي مثله مثل غيره ...علما بأننا لو دققنا النظر في معظم جمعيات النفع العام المصرح لها مؤخرا سنجد أن القائمين علي معظمها ينتمون لتيارات فكرية مخالفة للإخوان المسلمين من يساريين وليبراليين وعلمانيين ناهيك عن عشرات الجمعيات التابعة للحزب الوطني ومنها على سبيل المثال ( جمعية المستقبل ) ناهيك عن المجالس القومية المتخصصة ومن بينها المجلس القومي للمرأة الذي لايقدم الدعم إلا للمرأة المنتسبة للحزب الوطني كما جاء في مقال مكرم محمد أحمد بالإهرام ( الخميس 8/12/2005 )

وأتصور أن فكرة تخلي الجماعة عن الماضي واختزالها في حزب أمر صعب إن لم يكن مستحيلا من عدة نواحي أهمها :
- النظام المصري لا يزال متعنتا ومرتبكا وخائفا في نفس الوقت ، فهو يعلم أن الإخوان بدون كيان ( شرعي ) حققوا ما عجزت عنه الأحزاب المفترض أنها كيانات ( شرعية) وبالتالي فما بالك لو منحت الشرعية من خلال حزب ، والزعم الذي يسوقه مكرم محمد أحمد أو ممتاز القط أو أسامة سرايا أو أبو الحديد وغيرهم من كتاب الحكومة حول أقلية الإخوان وعدم شعبيتهم في ظل وجود أغلبية صامتة أمر مردود عليه لأن الرئيس نفسه نجح بنفس نسبة التصويت وربما أقل منا وساعتها ملئوا الدنيا ضجيجا حول شعبية الرئيس ولقد كتبت في ذلك مقالا بعنوان ( الأغلبية الساخطة أم الصامتة ) *ولو كان النظام جادا في ذلك لمنح مجموعة الوسط حزبا ولو بهدف جذب أصحاب الطموح السياسي من التيار الإسلامي !!!! وكيف يناقض النظام نفسه وهو يردد ليل نهار بأنه لن يسمح بوجود حزب ديني ، والنظام يبدو مرتبكا لأنه حين لاحظ تعاطف الشارع المصري مع طرح الإخواني الإسلامي استقطب المفتي وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقصية وجلب مجموعة من الشيوخ والأئمة وجلبهم إلى الأستوديو لكي يتحدثوا في الدين ولكن على طريقة الحزب الديمقراطي وهكذا فقد استخدم النظام نفس الورقة التي عاب على الإخوان استخدامها مع فارق كبير هو أن الإخوان قد نشأت كجماعة دينية شاملة السياسة أحد مكوناتها بينما الحزب الحاكم لم يكن سوى حزب سلطوي أراد استخدام الدين لدغدغة مشاعر المواطنين الذين فقدوا الثقة في كل ما يطرحه حتى ولو كان دينا ً !
- الإخوان المسلمون عبر تجاربهم في عدة بلدان حول العالم ليسوا فصيلا سياسيا مجردا من الأخلاق ودائما ما يطرحون السياسة كوسيلة دعوية يجب أن تتحلى بمواصفات أخلاقية على عكس ما يرى كثيرون في السلطة بأن السياسة لا خلق لها ، ومن هذه الزاوية فإنها أي الجماعة لا ترى السياسة بديلا لوجودها بمعنى أنها كجامعة دعوية شاملة متكاملة لا يمكن اختزالها في فصيل سياسي ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن رصيد الإخوان في المجتمع ليس منبعه الأداء السياسي لأنه لا يزال في بداياته فكيف يمكن لها أن تضحي بهذا الرصيد والأداء الراسخ باللا رصيد( نسبيا) أو الرصيد البسيط في عالم السياسة .
- لنتصور ردة فعل الشارع المصري على جماعة لطالما استطاعت أن تقدم له وجبة دينية تربوية سدت فجوة كبيرة بغياب الدور الرسمي في هذا المجال ، واستطاعت أيضا أن تكون له عونا اجتماعيا في ظل ضغط الحكومات المتتالية بفعل التدهور الاقتصادي الذي قاد ولا يزال يقوده نفس فريق العمل بالحزب الحاكم رغم فشله ، هذا الشارع هل يمكننا أن نتصور ان سيقبل باستبدال الوجبة الدينية الروحية والوجبة الاجتماعية المقدم إليه والتي تسد حاجاته اليومية بوجبة سياسية هو زاهد فيها إلى حد كبير ، وماذا سيقول عن الإخوان ساعتها : أتصور أنه سيقول لقد خدعونا وخذلونا وكانوا يطعموننا من أجل الوصول إلى السلطة بأي وسيلة ؟ وأظن أن الإخوان المسلمين لا يقبلون ذلك و لايفعلونه .

2- أم المطلوب هو
السماح للجماعة بالوجود الشرعي والعمل العلني على اعتبار أن جزءا من عمل الجماعة لا يزال سريا كما يرى بعض الخصوم ؟

وهذا يقودنا إلى سؤال حول الشكل القانوني الذي ستتمتع به الجماعة في هذه الحالة ؟ هل ستصبح جمعية أهلية في إطار ما يعرف بجمعيات النفع العام ؟

وهل يعلم النظام أن هذه الجمعيات يمكنها جمع التبرعات من الداخل كما أن لها في قبول المنح والهبات من الخارج ( هناك جدل حول شرط موافقة السلطة من عدمه على المنح الأجنبية وما حدث في البحرين مؤخرا خير دليل على الضغط التي تمارسه واشنطن على الدول العربية للقبول بفكرة المنح دون موافقة الحكومات )

وهل ذلك سيكون كافيا بالنسبة للحكومة ؟ بمعنى هل ستقبل الحكومة المصرية بوجود جماعة الإخوان المسلمين الرسمي ؟ وأن تمنحهم مقرات وتسمح لهم بالمؤتمرات والمنتديات وفتح باب العضوية أمام المواطنين من كل لون ودين ؟

وهل يقبل الإخوان بأن يكون دورهم في الحياة كدور أي جمعية نفع عام محدودة الأهداف والغايات وهي الجماعة التي جعلت من العالم سقفا لدعوتها ؟
وثمة مأزق سيواجه الحكومة والنظام في حال الترخيص للإخوان بجمعية نفع عام فقط وهو ماذا سيفعل النظام مع الإخوان إذا قرروا دخول المعترك السياسي كما فعلوا هذه المرة وغيرها ، لقد دخلوا مستقلين شكلا وإخوان مضمونا ورغم حظر الجماعة حققوا 88 مقعدا فماذا سيكون الحال لو كانت لهم جمعية ومرتادين وأعضاء مقتنعين بمنهجهم وبسلامة موقفهم ؟
إن سيناريو 2005 سيتكرر وبشكل أكبر حتما وسنجد النظام يضغط على الجماعة من أجل إعلان موقفها تجاه القضايا الأكثر حساسية أو التي يعتقد أنها كذلك وسيجد نفس الإجابة من الإخوان اسمحوا لنا بحزب وحاسبونا !

إذن السماح بجمعية قد يحل إشكالية واحدة ولكنه لربما زاد الطين بله لأن الجمعية ستكون أكثر علانية وأكثر شفافية وأكثر قدرة على جذب الإعلام والشارع السياسي ما يعني مزيد من التأييد والمساندة في اقرب انتخابات تجرى !
والحكومة بغبائها وإصرارها على التعامل الأمني مع الملف الإخواني وحرمانها من أي شرعية قانونية إنما تمنح الجماعة المزيد من الشرعية السياسية والتعاطف وكل ما يتم تسريبه للإعلام عن عنكبوتيه التنظيم والقدرة التنظيمية والاتصالية والمالية يصب في صالح الإخوان ويثير سؤالا حول شرعية النظام الذي يملك الحرية والعلنية وما يزال عاجزا عن التصدي السياسي للإخوان لذا يلجأ للخيار الأمني .

3- ربما يكون المطلوب هو السماح بحزب وجمعية ؟
وهل يسمح النظام الرافض لفكرة منح الإخوان جمعية أن يمنحهم حزبا وجمعية في نفس الوقت ! إن هذه مكافأة كبيرة لا يمكن أو لا يفترض في السلطة كما عودتنا أن تكافئ بها خصومها ؟ و منذ متى كانت السلطة كريمة إلى هذه الدرجة وهي التي عاقبت أيمن نور وفجرت حزب الغد من داخله كما فعلت بالشعب والأحرار ومستعدة لفعل ذلك مع أي حزب يتجاوز الخطوط الحمراء وما أكثرها.

ونثير السؤال بطريقة أخرى هل سيجد النظام نفسه أمام حالة من اللا خيارات إذ سيتعين عليه تنفيذ المطلوب أو مغادرة السلطة خصوصا في ظل المعطيات الكثيرة المناوئة لوجوده ؟

وبطريقة ثالثة هل سيتم تقنين الوجود السياسي للإخوان حتى تسهل محاسبتهم أو على الطريقة الأمريكية حتى يسهل القضاء عليهم كما يرى بعض الباحثين الأمريكيين أن السياسة كفيلة بتحجيم دور الإسلاميين وكفيلة أيضا بأن تحرق أوراقهم ( كروتهم ) المؤثرة الأخرى ، فمعطيات العمل السياسي مختلفة عن نظيراتها في العمل الدعوي والخيري .

وهل سيقبل الإخوان بذلك ؟
أعتقد أنه طالما قبل الإخوان بالعمل السياسي وارتضوا بالديمقراطية وأعلنوا التزامهم بتداول السلطة وأبدوا رأيهم في قضايا المرأة والسلم والحرب والأقليات وأفصحوا عن التزامهم بالقوانين والتشريعات فإن وجودهم بدون مظلة شرعية – قانونية – أمر سلبي بالنسبة لهم ، فلو أنهم كانوا جمعية أو حزبا سياسيا لكان من الصعب على النظام اعتقالهم وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية ونهب أموالهم و إغلاق تجارتهم وشركاتهم ومنع قياداتهم من السفر والحركة ..ولو أنهم كانوا حزبا سياسيا لكان صوتهم أقوى وأكثر تأثيرا ولكانت قدرتهم على المناورة السياسية والتحالفات أكثر ايجابية ونفعا بالنسبة للوطن وبالنسبة لهم ككيان سياسي .ولكان الاعتداء عليهم اعتداءا على الحياة السياسية بدلا من تصويره على أنه مطاردة لمجموعة ( مخالفة للقانون )
ومن هنا فهذا الخيار الذي أعلن عنه أو طرحه بطريقة عرضية أحد قيادات الإخوان المسلمين ( حلمي الجزار ) عبر شاشة الجزيرة في تغطيتها للجولة الأخيرة للانتخابات المصرية ربما يكون الأنسب بالنسبة للجماعة .

وهل يقبل المعارضون من مثقفي السلطة بأن يكون للإخوان حزبا سياسيا ؟
أرى أنهم مثلهم مثل النظام مرتبكون وقلقلون ؟
فهم تارة يطالبون بعلانية الإخوان وضرورة خروجهم من ( الكهوف والسراديب ) وفي نفس الوقت يخشون المد الإخواني بفعل التعاطف الديني ، ومن يريدون حرمان الإخوان من أي لمسة دينية روحية على أن يستأثر الحزب الحاكم بها على النحو الذي ذكرناه من دعم الأزهر والكنيسة له ، وهم يزعمون أنهم دعاة إصلاح وديمقراطية ولكنهم يرون أن الديمقراطية لكل الشعب وليست لأعداء الشعب حتى لو اختارهم الشعب كما كان يرى الرئيس الراحل عبد الناصر ، فأي انتخابات تأتي بفصيل سياسي لا يتفق معهم هي ديمقراطية ناقصة وعرجاء ، وفي نفس الوقت ويا للعجب يقولون إن الإخوان لو جاءوا للحكم فلن يسمحوا بالديمقراطية إلا مرة واحدة فقط هي المرة التي يفوزون فيها ؟

فما الذي يجعل السلطة تقبل بذلك ؟
اعتقد أن التحالف من أجل التغيير وحركة الشارع عبر كفاية واعلان القضاة وأداء الإخوان تحت قبة البرلمان والخوف الدولي من حدوث اضطرابات داخل مصر بكل ما تمثله سيجبران الجميع على الوصول إلى صيغة توافقية ، وأزعم أن ذلك لن يأخذ وقتا طويلا حتى يتحقق ، وإن لم يتحقق فالبديل هو المجهول وما أصعب المجهول ؟

التحول إذن أمر مطلوب ليس فقط للتعاطي مع المتطلبات الخارجية بل إنه أمر حيوي لاستمرار عملية التطوير التي بدأت داخل مؤسسة الإخوان وبفضلها استمرت هذه الجماعة ولم تغب عن الواقع رغم احتفالها باليوبيل الماسي لتأسيسها.

فالإخوان الذين خرجوا للشارع متظاهرين لم يكن لهم أن يفعلوا ذلك لو ظلوا على طريقة تفكيرهم السابقة والتي كانت ترى في الخروج والتظاهر خطا أحمر وكان النظام يقيم حساباته على ذلك ويؤمن بأنه مهما وجه إليهم من ضربات فإن الإخوان لن يحركوا ساكنا اللهم سكون الليل بالدعاء علي السلطة !
والإخوان الذين نجحوا في إقناع تيارات سياسية معروفة بعدائها التاريخي للإخوان بأهمية التحرك الجماعي ما كان لهم أن يفعلوا ذلك في السابق وبنفس الروح لولا أن شيئا ما تحول داخلهم وهو ما عبر عنه المرشد العام للجماعة برفعه شعار مشاركة لا مغالبة –

الحراك الداخلي داخل مؤسسة الإخوان خلال السنتين الماضيتين يبشر بالتحول الكبير في شكل ومضمون هذه الجماعة التي وجدت نفسها على بعد أميال - طالت أم قصرت – من مقعد القيادة ، كان ذلك بفعلها الداخلي أو بفعل الشارع المطالب بوجودها أو بفعل فشل النظام ، كلها في النهاية ستؤدي لنفس النتيجة ، الإخوان أمام معطيات جديدة وعليها إحداث التغيير والتحول لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة .


و أتصور وأكاد أجزم أن أي صورة من صور التحول لن تكون مرضية لخصوم الإخوان لأنهم- أي الإخوان - قادرون على التكيف والتفاعل مع كافة الأوضاع التي يكونون عليها وهذا ما دفع بعضهم إلي القول ( الإخوان المسلمون ليس لهم حل ) وسواء قصد الرجل من ذلك صعوبة حل الجماعة عمليا أو صعوبة حل المشكلات الناجمة عن وجودهم وتعاطف الشارع معهم فإن الإخوان أضحوا رقما هاما وفاعلا وليس مجرد مفعول به كما كانت الصورة قبل نوفمبر 2005 .
zawba@yahoo.com

> عبد المنعم سعيد يكرر الهجوم على البرادعي ويطالبه باحترام نفسه !!



هذا هو المقال الثاني الذي لم يضف فيه د. سعيد أي جديد سوى الدفاع عن نفسه واستعراض تاريخ انجازاته التي لم يتناولها أحد وأعتبر نفسه ندا للدكتور زويل والدكتور البرادعي ( هذا حقه ) ولكنه لم يقل لنا كيف يمكن أن يساعد وهو( الليبرالي) صديقه ( الليبرالي ) لإنقاذ مصر التي اتفق هو مع كل ماقاله البرادعي بل طالبه في آخرالمقال باحترام ( نفسه ) أو ذاته كما جاء في نهاية المقال وطالب به والسؤال هو :
 أين المشكلة إذن ؟ إذا كنت والبرادعي من نفس المدرسة فلصالح من تهاجمه أو على الأقل لماذا لا تسانده !

ممكن تقرأ لو أردت مقال ( د. البرادعي .. اوهام ما بعد التقاعد ) لأسامة سرايا
وأقرأ ايضا ( رئيس سويدي لمصر-1) لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية

 واقرأ له ايضا
( رئيس سويدي لمصر -2 )