الاثنين، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٩

استراتيجيات - (2) الرؤية


الاستراتيجية والتكتيك ( 2 )
الرؤية



في عالم الطقس يقول مذيعوا النشرات الجوية ( كما توجد شبورة كثيفة على المناطق البحرية وتنعدم الرؤية لمسافة مترين لذا ننصح السادة سائقي المركبات بتوخي الحذر ) ..
لكن انعدام الرؤية لا يعني انعدام النظر فالعيون موجودة وتستطيع أن ترى ولكنه قدرتها على الابصار والرؤية فيما وراء الشبورة منعدمة بفعل الشبورة أو بفعل ( غياب التخيل ) imagination
ولدينا في القرآن فرق واضح بين البصر والبصيرة فبينما البصر هو عملية ميكانيكية تعتمد على علمية النظر بمكوناتها المختلفة فإن البصيرة لا تعتمد على حاسة النظر بل على أشياء أخرى من بينها اليقين والاعتقاد والقدرة على  التعامل مع عالم الغيب بنفس اليقين الذي تتعامل به مع عالم الشهادة .
 وعندما تفقد قيادة المؤسسات والشركات والوزارات قدرتها على التخيل أو تصور ما وراء الواقع أو ما وراء العازل أو الحاجز أو الفاصل الزمني فهي قيادة غير مبصرة وإن كانت ترى بأم عينيها ولا أحد يقدح في قدرتها على النظر ، أو غير مؤمنة وليست على يقين بقدرتها وقدرة أفرادها على تحقيق الحلم أو الإيمان بالقدرة على تحقيقه وجعله واقعا معاشا .  ..
وفي عالم الأعمال والإدارة فإن الرؤية تعني ( الحلم ) الذي تتمنى أن تحققه أو المكان الذي تخطط للوصول إليه بمؤسستك في المستقبل ، ويعد تعريف ( لينش Lynch2000 ) واحدا من أهم تعريفات الرؤية حديثا
                                        ( الصورة الذهنية المحتملة والمرغوبة لمؤسستك مستقبلا )
 ( A mental image of the possible and desirable future state of the organization


ولأن الرؤية حلم فقد يراها البعض محض ( خيال ) وبالتالي قد يسأل ما علاقة الواقع بالخيال وكيف أبني إستراتيجية مؤسستي على الخيال ومعروف أن الخيال قد يكون ممزوجا بالأوهام ... وهنا نتوقف لنقول ليس بالضرورة أن يكون الخيال مخلوطا بالأوهام ... بل يجب أن يكون خيالا صافيا  منطلقا من المكان أو المهنة أو العمل أو المهمة التي تقوم بها مؤسستك ..
فعلى سبيل المثال لو أن قياديا في شركة للألبان أراد ان يلخص رؤيته لشركته فكتب (  سيارة حديثة لكل أسرة في الكويت ) هل هذه رؤية أم وهم أم خيال ... مخلوط بوهم وبأشياء أخرى ...

 فما علاقة الحليب ومنتجاته بالسيارات ولو أراد أن يصوغ رؤيته على النحو التالي ( منتجاتنا على كل طاولة في كل بيت في الكويت )  كما فعل ستيف  جوبز رئيس شركة أبل ماكنتوشApple McIntosh   حين وضع رؤية شركته على النحو التالي  ( An Apple on every desk )  يعني (جهاز ابل على كل مكتب )...

إن شركة أبلApple  تدرك حجم التحديات الموجودة والمستقبلية في عالم الكمبيوترات خصوصا وأنها فقدت السوق من قبل لصالح غيرها ولكن قادتها رأوا أنه ليس بالضرورة أن يكون المنتج الوحيد هو الكمبيوتر واخترقوا السوق بمنتجات أخرى تحمل اسم ( أبل ) لعل أشهرها I pod  و I phone  و Mac Book  و    Apple TV 





 ولو نظرت الى رؤية صانعي ( ستاربكس )Starbucks التي هي في الواقع مجرد قهوة تحولت إلى مكان للقاءات والاجتماعات والترفيه وربما الأكل والشرب وشراء أنواع مختلفة من القهوة لتصنيعها في البيوت من خلال ورش عمل تقوم بها ستاربكس على يد خبراء القهوة في العالم لمرتادي هذه المقاهي ، لو نظرت لو وجدت أن الرؤية هي :
Establish Starbucks as the premier purveyor of the finest coffee in the world while uncompromising principles while we grow"

(الممون الأول للقهوة الأكثر جودة- الممتازة -   في العالم مع الحفاظ على مبادئنا وعدم التفريط بها مهما توسعنا ).


وعلى نفس النسق تسير جنرال موتور General Motors – أشهر مصنعي السيارات في العالم -  إذ أنها ترى أن العالم هو مجال رؤيتها ومنافستها فرؤيتها  هي :
(Our vision is to be the world leader in transportation products and related services)
( أن نكون قادة العالم في مجال منتجات النقل والخدمات المرتبطة به )
إذن العالم هو المسرح الذي تلعب عليه جنرال موتور وقيادته هو الحلم او الرؤية !
 لقد قرر صانعو ستاربكس أن يكونوا في المرتبة الأولى في العالم وليس في أمريكا  وليس من بين الأوائل  أو حتى المائة الأولى لمصنعي القهوة في العالم وهم يعرفون الحقائق التالية :
1.      حجم المنافسة في سوق القهوة
2.      حجم المنافسة في سوق المقاهي
3.      ما لديهم من قدرات وإمكانات
4.      خبراتهم في السوق مقارنة مع خبرة غيرهم
5.      احتمالية صعوبة تحقيق ذلك لسبب او لآخر
6.      إدراكهم أن تقلبات السوق قد تعيق الوصول الى الحلم أو الرؤية
7.       اختيارهم العالم بأسره سوقا لهم

ويتطلب بناء الرؤية أول ما يتطلب الوقوف على حقيقة الوضع الراهن وتقييمه تقييما موضوعيا كما سبق وأن اشرنا في المقال السابق من خلال عدة طرق ووسائل تنتهي بك في شركتك إلى ( تقرير الوضع الراهن ) ومن ثم البدء في رحلة صياغة الرؤية ... وبدون تحليل الموقف الراهن يمكنك أن تبني رؤية مشوهة، غير قابلة أو مستحيلة التطبيق في ظل تقييم الوقف الراهن وربما يمكن تحقيقها في وقت آخر وعلى يد أناس آخرين فيما بعد... وهذا لا يعني صوابية موقفك أو رؤيتك بقدر ما يعني أن القادة في العالم قد يتشاركون رؤية واحدة هو الإنسانية لكن القليلين منهم من يستطيع الوصول إلى تلك الرؤية وتحقيقها .. وعلى سبيل المثال يمكنك أن تسمع من قادة العالم في أمريكا وارويا رؤيتهم لحل الصراع العربي الإسرائيلي وخصوا الرئيس بوش صاحب رؤية الدولتين ولكن هذه الرؤية لم ترى النور وفقا للجدول الزمني الذي حدده ( بوش ) وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال :

-          لقد وضع بوش رؤية لقضية لا يملك فيها وحده أدوات التنفيذ فمعلوم أن ( اسرائيل ) دولة خارجة عن القانون الدولي ولا يمكن لبوش ولا لغيره اخضاعها أو الزامها بشيء ما لم توجد قوى فعلية في المنطقة تجبرها على ذلك
-          وحتى لو استجابت ( إسرائيل ) وتماشت مع هذه الرؤية فإن اللوبي الصهيوني في الإدارة والكونجرس الأمريكي الذي يرى مصالحه الآنية والمستقبلية في استمرار الصراع والحروب في المنطقة لا يمكن أن يسمح لبوش بتحقيق رؤيته
-           لقد بنى  بوش رؤيته على تحليل الموقف بطريقة غير موضوعية ولم يضع في الاعتبار الوضع  السياسي العربي الراهن ولكن قام بتحليل موقف القيادات السياسية العربية بعيدا عن فهم وتحليل موقف الشعوب
-          لقد بنى بوش رؤيته ونسي أن يضع الخطة المطلوبة لتنفيذ هذه الرؤية وآليات تطبيقها مع الوضع في الاعتبار المتغيرات في العالم وما أكثرها
متطلبات بناء الرؤية
1-    أن تكون رؤيتك في مجال مهنتك او تخصصك أو له علاقة به كما فعلت ابل ماكنتوش في عالم الموبايلات .
2-    تحليل الموقف الحالي تحليلا موضوعيا خصوصا نقاط الضعف والتهديدات
3-    دراسة المنافسون بشكل جاد بعيدا عن التهوين والغرور بالموقف الراهن
4-     تحليل الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتكنولوجي الراهن والبحث عن فرص تمكن مؤسستك من الاستفادة بالتشريعات والتعديلات القانونية في قوانين المنافسة والاحتكار لبناء الرؤية وفقا لذلك >
وعلى سبيل المثال فلو أن مؤسسة إعلامية تريد أن تتوسع في إصدار وسائل إعلامية جديدة فإنه يتعين عليها أن تفكر أولا في الوسائل الإعلامية الجديدة new media  and social media  وهي وسائل إعلامية أكثر انتشارا في عالم الانترنت ، واليوم أصبحت الصحف الالكترونية اليوم أكثر ذيوعا من ذي قبل ولو كنت في موضع المسئولية لواحدة من هذه الشركات لفكرت في الرؤية واضعا في الاعتبار العنصر التكنولوجي والعنصر السياسي في ظل عدم  منح تراخيص لصحف مطبوعة مثلا ... وستتحول الرؤية من مثلا ( أن تكون الصحيفة اليومية ( س ) واحدة من  الصحف العشر الأكثر قراءة في البلد ) إلى ( أن تصبح صحيفة ( × ) الصحيفة العربية الالكترونية  الاكثر قراءة  حول العالم )  

  وهنا يبدو الفرق بين مجال المنافسة الأول وهو الصحف المطبوعة في البلد المعين وبين الصحف الالكترونية حول العالم )
5-    توفر أو القدرة على توفير الإمكانات المطلوبة
6-    راجع ( رؤى ) الآخرين من المنافسين
7-    راجع دور الشركة وتعرف على الأهداف والغايات الحالية والمستقبلية
8-     شارك  كافة الأطراف المعنية  ( رؤية جماعية أ, مشتركة )
9-     احصل على مباركة ودعم قيادات الشركة او المؤسسة
10-          من الممكن أن تكون الرؤية كمية أو نوعية
11-           من الممكن أن تكون محددة بزمن أو مفتوحة الزمن
12-          مختصرة
13-           واضحة

وختاما
فإن الرؤى التي لا تحدث تغيير هي اقرار للواقع وهي اقرار للاعتراف بفشل المؤسسة على الابداع والتجديد وإحداث الفرق.
******  مزيد من نماذج لرؤى مختلفة اضغط هنا


المصادر