الخميس، ٢٤ فبراير ٢٠١١

مذكرات ثورة الغضب- 2011 عام الغضب العربي


عام الغضب العربي !

د. حمزة زوبع

http://www.dr-zawba.blogspot.com/



في الرابع عشر من يناير الماضي كتبت مقالا بعنوان " عام الغضب " نشرته صحيفة اليوم السابع المصرية على موقعها الالكتروني http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=336357 تعرضت فيه بالتحليل لما يحدث في بعض الدول العربية مثل تونس والجزائر ومصر وليبيا والسودان ومصر وتوقعت أن تميد الأرض الأكثر استقرارا " كما يزعم البعض " من تحت أقدام السلطات وهذا نص آخر فقرة في المقال " الأمثلة كثيرة ويمكننا أن نستمر فى السرد، ولكن ما طرحناه يكفى للتدليل على أن هذا العام لن يمر بسهولة ويسر، وربما يكون أشبه بالسنين العجاف التى مرت على أهل مصر قديما وتبنأ بها نبى الله يوسف عليه السلام. وأعتقد أن السلطات العربية "المستقرة" ستشعر أكثر بأن الأرض من تحتها لم تعد مستقرة، كما كانت، وأنه آن الأوان لكى تقول الشعوب كلمتها، وأن تسمع الحكومات أو لترحل غير مأسوف عليها. "


بعدها بيومين رحل زين العابدين بن علي ثم كتبت مقالا بعنوان " حالة إنكار" طالبت فيه الحكومة المصرية بحسن تقدير الموقف وعدم الاكتفاء بترديد مقولة البعض " مصر ليست تونس " قبل فوات الأوان ولكن يبدو أنه بالفعل فات .

 


لماذا إذن سيكون عام 2011 هو عام الغضب العربي وبدون انفعالات ولا عواطف ولا مؤثرات خارجية ولا إكليشيهات مثل تلك التي استخدمتها النظم الساقطة من عينة " مؤامرة أجنبية " و " أياد خفية " و أجندات خاصة " فإن الوضع في العالم العربي ملتهب للغاية وربما لا يمر منتصف هذا العام إلا والكثير من المعطيات تكون قد تغيرت على ارض الواقع وفقا لما يلي :






1. الانفتاح الإعلامي غير المسبوق والذي حاولت بعض الدول تجييره ليكون يكون اعلام ترفيهي فقط فإذا به يتحول بين يوم وليلة إلى إعلام سياسي تثقيفي كما حدث في تونس ومصر ففي الوقت الذي كان الإعلام الرسمي يبيع الوهم والأرقام الخاوية من معانيها الاجتماعية مصحوبة ببرامج ومسابقات تبيع وهم الثراء عبر بوابات الجنس والفراغ والسفه الفكري ، كانت بوابات إعلامية أخرى تعمل لصالح التثقيف والتنوير ولا أعني بذلك فقط قنوات فضائية مثل الجزيرة والعربية والبي بي سيBBC والفرنسية بل أعني الشبكة الاجتماعيةFace book , twitter etc التي خلقت فضاء للتواصل الشبابي سخر البعض منه واليوم يندمون على عدم احترامهم للشباب وتفهم مطالبهم


2. التجربة التونسية التي بدت كنموذج يصعب تكراره ، ثم تكرارها في وقت أقصر ( استغرق رحيل بن علي 30 يوما بينما رحل مبارك في 17 يوم فقط لا غير مع فارق المساحة والتاريخ وعدد السكان ) ، هاتان التجربتان وخصوصا المصرية أصبحت ملهمة للشعوب العربية وخصوصا فئة الشباب الراغبين في التخلص من قيد الرعاية المطلقة والأبوة الخانقة والنصح الدائم والتسمر في المقاعد وتوزيع الثروة بطريقة غير عادلة وغياب التكافؤ الاجتماعي والاستبداد السياسي وأخطر من هذا كله الاستخفاف بالشعوب ومحاولة " تحمير العين" لها على اعتبار أن الشعوب المرفهة ليس لها حق النقد مادامت تتمتع بكفالة الدولة كما يعتقد البعض .


3. تدني مستوى المخرجات التعليمية وعدم مطابقتها لمتطلبات سوق العمل زاد من الآثار السلبية للبطالة التي تحولت في معظمها إلى بطالة مقنعة وإن كان ارتفعت معدلات البطالة الحقيقية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي لتقفز إلى 20 % ( يمكنكم مراجعة تقارير منظمة العمل العربية وتقارير التنمية العربية )


4. تعلمت الشعوب من التجربة المصرية أن " بعبع" أو " فزاعة " الإخوان ، ومطرقة الإرهاب ما هي إلا أكاذيب اكتتبها بعض وزراء الداخلية المسيطرين على الأوضاع والمهيمنين على القرار السياسي في بعض بلدان المنطقة إن لم يكن معظمها وبالتالي فتخويف الشعوب بهذه الفزاعات قد انتهى وإلى الأبد فقد أعلن الإخوان المسلمون في مصر والتيار الإسلامي في تونس أن الإسلاميين المعتدلين ليسوا طلاب سلطة وليسوا راغبين في الهيمنة على الأغلبية البرلمانية أو الترشح للرئاسة بل طلاب شراكة وطنية حقيقية ، وهذا سيفشل وبلا أدنى شك خطط بعض السلطات التي تتمترس خلف هذه الادعاءات وبالتالي سينضم الإسلاميون الى بقية مكونات الشعب مطالبين بالحقوق المهدرة وباستعادة الكرامة قبل أي شيء .


5. اثبتت التجربة المصرية على وجه الخصوص أن الغطاء السياسي الذي دأبت الولايات المتحدة على توفيره للنظام السابق هو غطاء محدود وربما أشبه ب" بطانية طبقة واحدة " تغطي الجسد لكنها لا تقي من برودة الأجواء ، بمعنى أن أمريكا – أوباما باتت تبحث عن مخرج أخلاقي لأزماتها السياسية مع الشعوب العربية وبالتالي فقد راهنت على عدم التدخل لكي تقدم دليلا آخر على أن الشعوب لا تحتاج الى أمريكا لكي تحقق مطالبها المشروعة ، كما أثبتت التجربة المصرية أن قوة إرادة الشعوب أقوي بكثير من قوة السلطة والدعم الخارجي مهما كان مصدره ، ولقد لاحظنا التحول في الموقف الأمريكي حتى لحظات قبل إعلان الرئيس المخلوع عن تنحيه مساء يوم الجمعة المباركة 11 فبراير 2011


6. تعاني معظم الدول العربية من متلازمة " الاستبداد – الفساد " وهي متلازمة مرضية فالاستبداد يؤدي بطبيعة الحال الى الفساد والعكس صحيح . وهذه المنظومة لم تقرر معظم الدول العربية قطع دائرتها المتصلة فلا حي تحارب الفساد ولا ترغب في فك الشعوب من قيد الاستبداد ، ومعظم الدول غير راغبة في ذلك ربما لأنها لا تستطيع فعل ذلك فملفات الفساد طالت وتطول كل يوم رؤوس كبيرة وربما هذا ما يجعل الغضب والثورة هي مخرج للجميع للشعوب والسلطات " يا لها من مفارقة "


7. عدم حدوث تنمية حقيقية في معظم الدول العربية رغم ارتفاع المداخيل من عوائد النفط والغاز ومصادر الثورة الطبيعية ورغم ارتفاع أسعار النفط في السنوات الخمس الأخيرة .


8. فشل معظم الدول العربية في أن تقدم مشروعا سياسيا يتفاعل فيه الجميع من نخب ومثقفين وطبقة متوسطة إلى جماهير الشعب العادية الباحثة عن نفسها بين شعوب الأمم التي تسمع عن تمدنها وتقدمها.


9. فشلت معظم الدولة العربية في إدارة شئونها على نحو حضاري أو عصري فمعظمها ضمن قائمة الدول الأكثر فشلا وبعضها ضمن الأكثر فسادا وجلها ضمن الأكثر تعتيما إعلاميا وكلها بلا استثناء تفتقد النموذج الإداري الملهم والمشجع أو حتى الواعد. هذا رغم أن بعض الجول لديها رصيد بشري متميز متمثلا في النخب التي نالت قسطا من التعليم النوعي في بلدان العالم المتقدم ولكن هذه النخب تم توظيفها وتدجينها ضمن مشروع السلطة وليس مشروع التنمية الحضارية.


10. فشل مشروع الجامعة العربية فشلا ذريعا في أن يصنع تطورا ملموسا في الحياة السياسية والفكرية والشيء الوحيد الذي نجح فيه هو اجتماعات وزارة الداخلية وعلى وجه الخصوص مكافحة الإرهاب.


11. فشل المشروع الأمريكي في المنطقة وأصبح عبئا على كثير من الدول في المنطقة لارتفاع الكلفة المالي والإنساني وقلة المردود و مصادمته لطموحات وآمال الشعوب ناهيك عن وجود فجوة ثقافية تحول دون كسب مؤيدين للمشروع الأمريكي بخلاف النخب الحاكمة .


12. الشعور العام بأن الأنظمة العربية قد تخلت عن المشروع القومي وتخلت عن مساندة الأشقاء واستجابت للضغوط الأمريكية بشكل اتضح معها انحياز تلك النظم للغرب على حساب حتى العلاقات الإنسانية كما حدث في حصار غزة وحصار حماس التي وصلت الى السلطة بطريق مشروع وحرمت منها بطرق غير مشروعة ، وكما حدث أيضا وبشكل نسبي مع حزب الله .


13. عدم قدرة السلطات العربية على التحول ولو تدريجيا من منظومة الفكر الواحد والحزب الواحد والعقل الواحد إلى منظومة متعددة رغم أن عقود مرت والشعوب تنتظر التحول التدريجي فلما يئست من ذلك لم يعد أماها سوى الغضب وهو كما تبين للجميع "غضب ايجابي " ومنتج


14. أزالت الأحداث في مصر وتونس وهم الكلفة المرتفعة للتغيير الكلي فقد ساد اعتقاد أن السلطات العربية لديها من القوة ما تستطيع معه حسم المعركة لصالح وأنه يتعين على الشعوب ان تدفع كلفة " دم" عالية حتى تحصل على الخلاص، وهذا ما نفاه الواقع وثبت للجميع أن رئيس أكبر دولة عربية لم يصمد إلا لأسبوعين فقط بينما رئيس دولة أصغر ( تونس ) صمد لأربعة أسابيع .


15. تأكد الجميع أن بيانات وتقارير ودراسات استطلاع الرأي العام التي كانت تقدم للحكومات وللشعوب كلها كانت " مفبركة " ولا تعبر عن واقع الحال ، فهل كان معقولا أن تكون شعبية الحزب الوطني حسب تقارير استطلاع رأيه عالية جدا قبل الانتخابات الأخيرة وبعد الانتخابات بشهرين يصبح الحزب ورئيسه ورموزه هدفا للمتظاهرين المطالبين برحيلهم جميعا .


16. بفضل الثورة المعلوماتية انجرت بعض النخب الى عالم التنافس والبحث عن الشهرة معتقدين أن ذلك مفيد ومساند لأعمالهم التجارية ومشاريعهم الشخصية ، فعلى سبيل المثال قامت عدة مجلات عالمية مثل " فوربس " بعمل رصد لثروات الأغنياء في العالم العربي وقدمت سنويا قوائم بالمليونيرات والمليارديرات العرب ومن بينهم بالطبع من ينتمون الى النخب الحاكمة ، وهذا أمر استفز مشاعر الناس ولا يزال يستفزهم ويدفعهم للمطالبة بحقوقهم بدلا من المباهاة بثراء تلك النخب .


17. فشل مشاريع الانقلاب العسكري والفوضى التي تريد بعض الجول من الجوار القريب أو البعيد أحداثها يجعل الشعوب تفكر في مشاريع تغيير شعبية أقل كلفة وأكثر تأثيرا


في ظل هذه الحقائق والمعطيات لم يعد السؤال حول امكانية حدوث التغيير من عدمه ولكن السؤال الملح هو : هل لا تزال هناك فسحة من الوقت أمام السلطات العربية لكي تأخذ زمام المبادرة ؟


الشعوب وحدها تملك الاجابة .. فقد نفذ رصيد الحكومات .