الاثنين، ٢٤ يناير ٢٠١١

حالة انكار - مقال تشخيصي لحالة الاستبداد والانسداد الراهن

                                             حالة انكار !
                                         د. حمزة زوبع
                                
                                      ( هذا المقال أرسل الى اليوم السابع قبل يومين ولم ينشر بعد!)



يعاني بعض مرضى الأمراض المستعصية أو القاتلة من حالة تعرف ب( حالة الانكار ) وهذه الحالة تعني أن المريض لا يريد الاعتارف بمرضه ! وبالتالي يفقد فرصة حقيقية للعلاج والتداوي ، ويعرف الاطباء أن فرصة الشفاء ترتفع كلما كان الاعتراف بحقيقة المرض مبكرا والعكس صحيح .



وفي السياسة كما في الطب يعاني كثير من ساستنا وقادة الرأي خصوصا من هم على قمة الهرم الصحفي في مصر من حالة انكار شديدة ، وهي حالة مثيرة للقلق وقد تفضي بهم إلى حالة من الجنون وفقدان العقل نظرا لأنهم تمادوا كثيرا في انكارهم لحالة الوطن وخطورة الوضع السياسي المصري في الوقت الراهن .



يحاول كل من أسامة سرايا وعبد المنعم سعيد ومحمد علي ابراهيم و عبد الله حسن رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط ومجدي الدقاق وغيرهم ( !) بذل كل ما في وسعهم لكي يفهموننا أن ما حدث في تونس لا يمكن استنساخه في مصر ، وهذا أمر يمكن أن نقبله ولكن ما لايقبله عقل به نسبة قليلة من الذكاء هو النفي الدائم والمستمر بأن مصر لاتعاني شيئا البتة !! وأنها ( صاغ سليم ) يعني شخص سليم ومعافى وليس به شيء سوى أن يعد العدة ويذهب الى الجبهة !!!



لا يرى المدافعون عن النظام في مصر فيما حدث في تونس أي عبرة ولا عظة ، بل يرون فيما حدث فرصة لتكرار تسبيحهم وتمجيدهم للنظام وبالطفرة ( !) التي حققتها مصر في عصر الرئيس مبارك على مدار ما يقارب ثلاثين عاما من البقاء ( الاستقرار ) في السلطة .



و يرى أصحابنا في الخنادق المتقدمة للدفاع عن السلطة أن ما حدث في تونس ربما يعيدها لعصر ما قبل التاريخ وأن ماحدث هو ايذان بالعودة الى الحكم الاسلامي ولا أدري على ماذا يستندون وبأي حجة يتحججون ! اللهم إلا إذا كان كابوس الاسلاميين يطاردهم ليل نهار .



إذا تصفحت – أرجوك أن تتصفح مقالات اسامة سرايا وعبد المنعم سعيد ومحمد علي ابراهيم – عقب ثورة تونس وسوف تجد أن أصحابنا لايزالون في ( حالة انكار ) وأن عفريت الاسلاميين لا يزال يركبهم بل ويقودهم إلى أراء وأفكار ربما تصل الى حد ( التخريف ) أحيانا .

ما علاقة الاسلاميين بما حدث في تونس ؟

لقد اعترف رئيس حزب النهضة ( رشاد الغنوشي ) من منفاه أن هذه ثورة شعب وليس لأحد يد عليها !

لكن أصحابنا ولأن عفريت الاسلاميين يطاردهم يتحدثون عن مخاطر عودة الاسلاميين الى تونس وهذا في رأيهم يعني القضاء على مكتسبات ( بن علي ) وأهمها القضاء المبرم على الإسلاميين والاسلام بكل مظاهره ، وهم يربطون بين ما حدث في تونس وما يمكن أن يحدث في مصر وركوب الاسلاميين للموجة وبالتالي الاستيلاء على السلطة !!!!



إذن عاد أصحابنا لنفس الحالة القديمة ( الاخوان قادمون ) وهي حالة مرضية قد تودي بهم الى اكتئاب حاد وربما ينتهي الأمر بالهلوسة التي تجعل صاحبها ينطق بما لا علم ولا عي ولا يفهم !!

أي اسلاميين يا سادة وما علاقة الاسلاميين بما يحدث في مصر الآن ؟

مصر كلها تئن وتشكو ؟

وأسأل من بقي لديهم عقل في السلطة : هل الاسلاميون يحرقون أنفسهم أو يأمرون أتباعهم بالانتحار ؟

هل الاسلاميون في السلطة أو شركاء فيها ؟

هل للاسلاميين اغلبية في البرلمان ولديهم القدرة على التشريع وتعديل القوانين والتشريعات حتى يبقوا يف الحكم إلى ما شاء الله؟

هل أبناء الاسلاميين هم من يتم تسويقهم في كل مكان للوصول الى السلطة في مصر وليبيا واليمن وغيرها ؟

أي وهم تريدوننا أن نشتري منكم يا سادة ؟



الحقيقة الواضحة للعيان أن فكرة استنساخ ما حدث في تونس ليست واردة بشكل نمطي في مصر ، ولكن ما قد يحدث في مصر من الممكن أن يكون مختلفا ومفاجئا على غرار المفاجأة التي حدثت في تونس .... فمفاجآت الشعوب وابداعاتها لا تتوقف وحركة التاريخ خير شاهد على ما نقول .



ينصح الأطباء المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة أن يعترفوا باصابتهم بالمرض وأن يبدأو رحلة العلاج فورا ودون تلكؤ ، وأعتقد أن السلطة المصابة بمرض الاستبداد تحتاج الى اعتراف فوري بالمرض وبالتالي يمكن تبدأ مرحلة لاعلاج وساعتها سيقف الجميع معها لأنها مريضة تحتاج الى الدعم والمساندة أما الانكار وادعاء السلامة فلن يغني ولا يسمن من جوع .





آخر السطر

يحكى أن أسد العابة أصابته علة فخشي أن تعرف حيوانات الغابة بعلته فتتجرأ عليه فاستأجر النمر ليدافع عنه وقد فعل النمر كل ما في وسعه وقام بمطاردة حيوانات الغابة التي تتجرأ على أسد الغابة العليل !

وذات يوم وبينما الأسد مستلق في عرينه والنمر من حوله يحرسه إذ هبط نسر من السماء ففقأ عيني الأسد والنمرلا يحرك ساكنا بينما الأسد يستنجد به :

أليس بيننا اتفاق ؟ ألم نوقع اتفاقية حماية ؟

رد النمر ببرود شديد : سيدي لقد اتفقنا على أن احميك من حيوانات الأرض أما مصائب السماء فلا دخل لي بها !!

تصبحون على وطن .